كلام كثير وتنبؤات كثيرة وتوقعات ستطلق حول نتائج زيارة الرئيس الأسد للصين .
الإستقبال المميز الذي لاقاه الرئيس الأسد من قبل الرئيس الصيني شي جي بنغ واحدة من المؤشرات الهامة على ما يتوقع أن ينتج عن هذه الزيارة . كذلك عودة وزير الخارجية الصيني من موسكو و إلتحاقه فوراً بفريق التفاوض الصيني - السوري ، أيضاً أحد المؤشرات الإيجابية.
لم يتسرب الكثير عما جرى بحثه سوى ما أُعلن عنه من إتفاقات وتفاهمات، لكن أظن أن ما بات مضمراً أهم بكثير مما أُعلن.
جرى البحث بين الرئيسين حول العلاقات التاريخية الصينية - السورية لغاية اليوم، وتحدثوا بالأبعاد الإستراتيجية لعالم متعدد الأقطاب، وعن الدور الصيني الناهض على مستوى العالم، على المستويات السياسية والتنموية والإقتصادية، ولا سيما إقتصاد المعرفة والتطور التكنولوجي العالمي التي باتت شبه متحكمة بالإقتصاد العالمي وأُفق تطوره ونقل جزء منه إلى سورية بقدر إستطاعتها على الإستيعاب نظراً للظروف الخاصة التي تمر بها.
جرى البحث تفصيليا حول حاجات سوريا ، وهي حاجات كثيرة ، في التنمية والتطوير الإقتصادي وإعادة البناء الذي تحتاجه سوريا بإلحاح لإعادة الحياة وإعادة دورة الإنتاج.
جرى البحث في علاقات التحالف الإستراتيجي بما هي حاجة متبادلة لكلا الطرفين، فمن جهة هي مصلحة للصين في مشروعها الحزام والطريق، والحاجة للدور والموقع السوري الذي يمكن أن تلعبه في هذا المضمار، كمنفذ على البحر الأبيض المتوسط بإتجاه الغرب، لذا كان من بين التفاهمات توقيع الرئيس الأسد على مبادرة الحزام والطريق.
ومن جهة الحاجات السورية الملحة للتنمية الإقتصادية والعلمية والتكنولوجية وإعادة البناء واسع النطاق كما وصفه الرئيس الأسد، وطويل الأمد أيضاً في ذات التوصيف.
صحيح أن الصين وقفت إلى جانب سوريا سياسياً في أزمتها التي إمتدت لعشر سنوات ، من خلال ثمانية فيتوات مارستها في مجلس الأمن ، إلا أننا نستطيع القول أن العلاقات السورية - الصينية الآن هي في مرحلة ما بعد الفيتوات الصينية في مجلس الأمن، إنها حقبة التعاون الآقتصادي والتنموي اللذين غابا في مرحلة الحرب، حيث كان الدعم العسكري لسوريا يستند إلى الحلفاء الإيرانيين والروس والمقاومة، في حين إقتصر الدعم الصيني على الدعم السياسي.
العالم يتغير ، زيارة الرئيس الأسد للصين أحد مؤشرات هذا التغيير، كذلك زيارة مادورو للصين، وزيارة الرئيس الكوري الشمالي لروسيا أيضاً ، وقمة ال7 زائداً الصين ، وتوسع منظمة البريكس وطلبات الإنضمام إليها المتعددة ، كل هذه المؤشرات أراد الرئيس الأسد أن ينضم إليها ويكون واحداً من روادها.
الإعلان عن إقتراب العلاقات السورية - الصينية من البعد التحالفي الإسراتيجي كما أعلن ، يريح الشعب السوري الذي يئن تحت وطئة أزمات إقتصادية ومعيشية خانقة ، وقد تطلع الشعب السوري إلى زيارة الأسد على أنها تشكل المنقذ من الأزمة ، شرط إستفادة الرئيس الأسد من القدرات الصينية ومن الزيارة إيما إستفادة، وترجمتها إلى برامج تعاون وتنمية على كافة المستويات ، تحتاجها سوريا ، ويحتاجها الشعب السوري الذي يعاني الأمرين نتيجة الحصار وتضييق الخناق الأميركي عليه عبر قانون قيصر و إثارة الصراعات الإثنية والقومية والدينية.
الرئيس الاسد في الصين هو كمن يجلس إلى مائدة فيها ما لذ وطاب من الأطباق، وعليه أن يختار بعناية، وبحسب الضرورة والحاجة، إختيار الطبق الذي يراه مناسباً ولا يسبب تَلُبّك معوي أو عسر هضم.
أظن أن الزيارة تأخرت قليلاً.
كان ينبغي أن تحصل قبل هذا التاريخ، وقبل تفاقم الأزمات الإقتصادية والمعيشية، ولكن كما يقال " أن يأتي الشىء متأخراً ، خيرٌ من أن لا يأتي أبداً."
لا شك أن الشعب السوري سينعم بالمساعدة الصينية، وبعملية الإنقاذ والتطور المنتظرة، على أن تسمح البنية التحتية الذاتية والبشرية بترجمة الإتفاقات، وأن تمتلك سوريا هذه القدرة الصينية " الفرصة " على الإستفادة منها وتثميرها.