اقام حزب الاتحاد ندوة في دار بيروت بعنوان المشروع الناصري بين هزيمة حزيران وصُنْع العبور في حرب أكتوبر تحدث فيها نائب الامين العام للحزب احمد مرعي مرحبا بالحضور في دار بيروت التابعة للمنتدى الثقافي العربي الذي بدأ اللقاء بالوقوف دقيقة صمت حداداً عن روح الأخوين كمال شاتيلا خليل الخليل.
ولفت الى عنوان الندوة والى الارادة السياسية التي لم تسقط على الرغم من الهزيمة العسكرية بل تحملت كامل المسؤولية وقدمت استقالتها واعلن الرئيس جمال عبد الناصر تحمل كامل المسؤولية والاستقالة الا ان الجماهير تحركت وطالبت بعودته .
وتابع بالاشارة الى اكتشاف عبد الناصر للخلل الذي اوجده عبد الحكيم عامرداخل القوات المسلحة، فاعاد بناء القوات المسلحة وبنى عقيدة قتالية تعتبر ان الكيان الصهيوني هو عدو مصر والامة وهذه العقيدة القتالية للقوات المسلحة ما زالت مستمرة حتى اليوم، واكبر دليل الظهواهر القتالية لدى القوات المسلحة رأيناها في الشهيد المصري محمد صلاح وسليمان خاطر الذي قدم حياته فداءا للوطن
وختم بالقول عبد الناصر اكد على ارادة الصمود ودعا الى قمة عربية برفع شعار لا صلح لا تفاوض لا اعتراف وان كل مقاومة عربية هي امتداد لمقولة عبد الناصر.
اما المحاضر الدكتور حسن قبيسي فقد تحدث ان ثورة عبد الناصر كان في عمقها مقارعة الاستعمار والصهيونية ، فبدل أن تستثمر الأحزاب المصرية وجع الناس في بعث الوعي فمصطفى النحاس باشا زعيم حزب استنجد بالاستعمارالبريطاني في شباط 1942 أما حزب الأخوان المسلمين فسار في مظاهرات مؤيدة للخديوي إسماعيل أمام هذا الواقع لم يكن أمام عبد الناصر إلا العمل من خلال العسكر، القوة المنظمة والمصرية الولاء ، فكانت جبهة الضباط الأحرار واتفاقهم على الأهداف الستة ، الملاذ .
وكان قَدَرُ عبد الناصر أن يعمل وسط تناقضات قيادتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مما ترك تباينات خطيرة أكثرها ضررًا كان ما انتزعه المشير عبد الحكيم عامر من صلاحيات وامتيازات سخرها إلى أقصى الحدود في خدمة مآربه الشخصية
من المشروع الناصري نبدأ . فيه الرؤية والتصور والانجازات . كان الوعي وتوعية الجماهير، وتبيان وتأمين حقوقهم وواجباتهم ومصالحهم القومية و الوطنية والاجتماعية في رأس قائمة بنوده . وكانت الانجازات ومنها الإصلاح الزراعي – إجلاء القوات البريطانية عن مصر – صفقة الأسلحة التشيكية- دحر العدوان الثلاثي عام 1956– دعم ثورات الجزائر واليمن وتحرك الإمام الخميني ضد الشاه والحركات التحررية العربية و العالمية التصنيع - الوحدة بين مصر و سورية- القرارات الاشتراكية .
وكانت الصدمة التي فاجأت الجميع حتى من افتعلها ، كان عدوان الخامس من حزيران ، وكان الرد الثوروي بإحباط الأهداف السياسية لعدوان 1967: إسقاط نظام جمال عبد الناصر وفك ارتباط مصر بأمتها العربية وفرض استسلام العرب للعدو الصهيوني والتفاوض معه والاعتراف به والصلح معه ، ولم يحقق من كل أهدافه السياسية سوى احتلال إجزاء من الأراضي العربية – كما في مئات الحالات في التاريخ - . ولأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أشد عنفًا ، كما عرفها المنظر الألماني كلاوستيفز، فما حققه العدوان اقتصر على هزيمة عسكرية عابرة ليس إلا ، كان الرد عليها بتمسك الجماهير بقيادة جمال عبد الناصر ، والاستقبال الجماهيري الحاشد في الخرطوم ، ورفع اللاءات الثلاث : لاصلح – لاتفاض – لا اعتراف ، والتمسك بها قبل أن يتخلص منها أنور السادات في الردة والارتداد على النظام الناصري.
وتمسك جمال عبد الناصر و الشعب معه بالمشروع النهضوي الذي فشل العدوان في النيل منه، فصمد وتطور وانتصر: فكان بناء القدرات العسكرية ، وتسجيل معدل النمو الأعلى في العالم : 6%. في عدوان 1967 مُني العرب بهزيمة عسكرية أيقظت فيهم حس المسؤولية ، فتحمل جمال عبد الناصر مسؤولية الهزيمة، و تقبُل أي قائد تحمل المسؤولية عن نكسة كما أسماها عبد الناصر، أو عن هزيمة عسكرية بصرف النظر عن فداحتها، هو أول إجراء لتصيح الخلل ، وهو ماعمل عليه عبد الناصر.
هي هزيمة عسكرية ليس إلا، ومهما بلغت فداحتها . فهي لم تنهِ الصراع العربي - الصهيوني ، ولم تحمل الشعب العربي على الاستسلام ، بل زادته صمودًا و تصديًا ومقاومة ، ومن أبرز تجلياتها إعادة بناء الجيش المصري وتدريب عناصره ورتبائه وضباطه، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، و الاستعانة بالنخب المبعدة أو المسرحة، وتجهيزه وخوض عمليات عسكرية فدائية يومية مهدت للعبور ، ووضع خطط عسكرية لما جرى في حرب تشرين الأول 1973، و خوض المقاومة الفلسطينية معركة الكرامة في الأردن 20 -30 أذار 1968 ، وتصعيد العمليات العسكرية الفدائية منها وحرب المواقع، وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية العسكري و السياسي و الاجتماعي وكممثل وحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وحركتي الضباط في السودان و ليبيا ، وحرب الاستنزاف في مصر ، والحركة التصحيحية بقيادة حافظ الأسد في سورية وحرب تشرين 1973، والانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية و تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة باستثناء مزارع شبعا والقسم اللبناني من قرية الغجر - جنوبي لبنان. والعمليات في مصر وآخرها عملية البطل المجاهد محمد صالح يوم السبت في الثالث من حزيران 2023.
كشف العدوان خللًا واضحًا وخطيرًا في توازن القوى بين البلاد العربية مجتمعة من جهة ،وكيان العدو الصهيوني من جهة أخرى، إضافة إلى الاختلاف في فهم إدارة الصراع بين الفريقن ؛ ففي الوقت الذي كان فيه العدو الصهيوني يعد للحرب ، كانت طبول الحرب تقرع في مصر و سورية والأردن ، دون أي استعدادات جدية.
تحمل جمال عبد الناصر مسؤولية الهزيمة، وهو واقعًا أكثر من حاول تلافيها وسط ظروف غاب فيها حس المسؤولية عند جميع المسؤولين العرب ؛ وبذلك يكون قد شق طريق إزالة آثار العدوان .
و المفارقة أن ما عجز العدو الصهيوني والتآمر الداخلي عن تنفيذه في حزيران تحقق بعد انتصارات رمضان 1973 العسكرية ، ما استطاعت هزيمة حزيران العسكرية إلغاء المشروع النهضوي الناصري ، ما أحبط المشروع كان استغلال السادات للانتصارات العسكرية للردة على المكتسبات و الانجازات ، وأكثرها إيلامًا كان إسقاط اللاءات الثلاث، وأفدحها خسارة بيع القطاع العام و استرداد الإقطاع المصري ما تم تأميمه، و وقف النهضة العلمية والتقديمات الاجتماعية والانماء المناطقي . أي العودة إلى ما قبل ثورة 23 يوليو .
رحل جمال عبد الناصر وما حقق كل مشروعه ، فانقض السادات على ما لم تحبطه الظروف .
كان الرهان على التنظيم الطليعي لا على الاتحاد الاشتراكي العربي ، حزب السلطة لا حزب العقائديين
بمحبة وتقدير وتفهم نكتب ، جمال عبد الناصر مسؤول ومعذور .مسؤول بالإبقاء على المشير . ومعذور؛ فأي صدام مع المشير يعني خرابًا لمصر؛ فهو ممسك بالجيش ، والجيش ممسك بإدارات الدولة ، والتعرض له يعني صدامًا مع الجيش وتفرعاته .
لكن ... يكفي جمال عبد الناصر أنه أيقظ الوعي فينا ، الوعي الذي لا يُنتزع مهما بلغت الضغوطات.